هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

الحلقة الثانية: هذه الغابة من الإعلانات

(الثلثاء 17/2/2004)

الآتي من الضواحي الى العاصمة، يدخل في غابة من الإعلانات يضيع فيها نظره بين اللافتات الإعلانية الكبيرة، فتزوغ عيناه من كثرتها، حتى يُشيحَ عنها جميعاً خوفَ ارتطامه بسيارةٍ، أو عمودٍ، أو حافة طريق.
ذلك أنْ لم يبقَ مترٌ مربّع واحد على جسر مشاة، أو شجرة يابسة، أو عمود كهرباء، أو جدار منْزل، أو سطح بناية، أو صدر جبل، أو ناصية شارع، إلا انبطحت عليه لافتاتٌ إعلانيةً كبيرة، أصبحت متراصَّةً، متلاحقةً، متقاربةً، متضاربة، حتى باتت تحجبُ عنا الشاطئَ والبحرَ والغيمَ والجبل، ما يدعونا الى الإشاحة عنها جميعاً، لاستحالة قراءةِ الواحدة منها دون أن تزعجنا جارتُها اللصيقة.
لسنا نلوم المعلن في ذلك، فغايتُه أن يبلغ العين، وهو حقُّه.
ولسنا نلوم الشركةَ المعلنة في ذلك، فغايتها أن تُرضي المعلن، بالإكثار من زرع لافتاتِ بضاعتِه في أكثرِ مساحة ممكنة، وفي كثافة عدديةٍ ترضي فاتورةَ الشركة وتغري أعدادُها قناعةَ المعلن.
غير أننا نتساءلُ عن تطبيق قانونٍ نظَّم، ذات فترة، وضعَ اللوحات الإعلانية، شروطاً ومساحاتٍ فاصلةً، وقواعدَ تعليق، فاقتُلِعت جميعُ اللوحات الكبيرة عن الطرقات والنواصي، وأُعيدَ تركيبُها بطريقةٍ تريح العين، وتتيح القراءة، ولا تؤذي المعلِنَ بتكثيفِ إعلاناتِه حتى تشيحَ عنها العين فيخسرَ المعلنُ غايتَه والهدفَ ومالَه ومردودَ إعلانه.
أَلاَ… قليلاً من الذوق، وتَخفيفاً من الْجشع والوقاحة، ولْتَحسُمِ الدولةُ بتطبيق القانون، وإلاّ فجميعُ هذه اللوحاتِ الإعلانية، بلا جدوى، لأنها تزعجُ النظر، وتؤذي العين والذوق، وتُخسِر المعلن، وتَجعلُ مدينتنا العاصمة، غابة إعلاناتٍ، لا تبلغ من الغاية إلاّ الغضبَ على مدينةٍ أصبحت كومةً من حجارةٍ بشعة، وإعلاناتٍ تزيدُ من تلك البشاعة.